الأحد، 13 نوفمبر 2011

ركن

شباك يطل على حديقة أشجارها وجدت من يهتم بها رغم إرتفاعها, حتى هما وجدا من يرعاهما كل شفق, يجلب لهما الطعام, الشراب, الأرجوحة الخشبية الخفيفة التي تسلِّي الوقت في قصرهما المذهب, يشتبكان كل شروق في ركن مطل على تلك الحديقة, يستمعان إلي أصوات تشبه صوتهما.


تحن هي إلي مشاركتهم, كلما نظرت إليه وجدته يتأرجح, غير مبالٍ لما في الخارج, حاول مراراً ليجذبها ناحيته, لينشدا لحنا يمتع الآخرين, كلما حدثها تشيح بوجهها تجاه ركنها المفضل.


بفضول تحاول التواصل معهم, رغم اختلاف نوعها عنهم, ينزوي مدندناً لحنه الهادئ بصوت منكسر, عند بدء اقترابها من هذا الركن يسبقها, ينشد ليثير غيظها, فيبدأ الإشتباك الذي ينتهي كل مرة بألم , بل جُرح, أول مرة اخترق منقارها الريش الملون على جناحه ليختلط لونه السماوي باللون الاحمر, فيفسح لها المجال مغرداً بحزن لتتربع حيثما تشاء.


في اليوم الثاني يتكرر الموقف بإختلاف الجرح, فهذه المرة لا يقوى على الوقوف على ساقيه الرفيعتين مرة ثانية, جرجر ساقيه, اصطحبتها الآمه لركن بعيد تاركاً أثراً خلفه, اقتربت من الركن المواجه للحديقة, منصته الي الأصوات وتبادلتها بصوتها العالي.


غرد معاتباً نفورها منه كلما حاول الاقتراب, انتهي يومها ولم ينتهِ ألمه, تركته متجهة إلي منزلهم المرفق بالقضبان, بعد نظرتها باستنكار لاستسلامه, رغم جراحه استغل غفوتها ليلاً ,زحف , تسحب , اقترب تجاه ركنها الملعون, اصدر صوت عتاب, ربما استغاثة, حاول الصراخ , منعه وهن حنجرته, اكمل ليلته على تلك الحال مقاوماً برودة الشتاء, خرجت لتكمل حديث الأمس, رأته, جن جنونها مرة أخرى, فقد عبر أسلاكاً شائكة, سبق وان حذرته منها في الإشتباكات السابقة, انهالت عليه ضرباً بجناحيها,التهمته بمنقارها الحاد حتى سقط منقاره السفلي.


صرخاته تخرج في إنهزام, قاوم, لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة دون جدوى, بمجرد انتهائها من مهمتها, رغم خلو العش لها الا انها عادت الي مكانها, تحاور من بالخارج, اقترب أحدهم على أقرب غصن من الشرفة, حاورها, لقنها أفكاراً, علها تستطع, اختارت احدها, بدأت في التنفيذ فورا, لم تنم يومها, بل ظلت تخرج درج طعامها بالمنقار رويداً رويداً, بمجرد إنطلاق الشفق الثالث, انطلقت زقزقتها حتى آتاها زائرها بالأمس, تسحبت من منفذها, لاقته بالرفرفة, تركها للحظات, استوقفها, غردا سوياً في طريقهم إلي عشه.

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

المستعمرة

قرر الخروج من المستعمرة دون عودة, بعد عدة تدريبات من ابويه طيلة ثلاث اسابيع ماضية, اليوم اكمل اسبوعه العاشر, عليه ان يحصل على وجبته, شق الكتل البيضاء المتراكمة امامه, رغم البرودة التي شعر بها, الا انه احب هذا المناخ, احب ذراعاه الممدودة على اشدها توسطتها رأسه الشامخة, لونه الرمادي المتدرج عليه, مرسوم بضوء القرص المنير في الافق, استنشق نسيم البحر حتى اعماق رئتيه, اصدر صوته فرحاً لوصوله, معلنا وجوده في الاجواء, دقق نظره الحاد على تلك الامواج, لمحها تحت سطح المياه, تسبح في رشاقة زجزاجية, تتبعها بعيونه رفرف بجناحيه, ابتهجت اساريره, اقترب مسافة تكفيه للاستعداد,داعبته الافكار:
"اهجم الآن"
"لا انتظر طاردها رويدا"
"بل ستجد من هي اكبر حجما منها"
"عد الي المرسى ستجد النافق هناك سيغذيك اكثر"
كلما داعبته فكرة عاندها بقوة, سمع صوتا يناديه, لم يتوقف,  لن يعود للماضي
"ساصنع مستعمرتي بنفسي"
قالها لنفسه, زاد من سرعة طيرانه, ارتفع... ارتفع ...وصل مرة اخرى لتلك الكتل البيضاء المتكومة ....شقها, احتلته نشوة داخلية بالفرح, لمحهم هذه المرة صدقت افكاره معه, سرب يتبع بعضه البعض, يطأطأ من مستوى سباحته تجاه السطح, مجرد ان تقترب كل موجة على احتضان اختها العائدة, طاردهم قليلا, منهم من انتبه فغاص دون ارتفاع, ومنهم من عارض اتجاه السرب, سار على هواه, كمية لا بأس بها لوجبة هذا اليوم, اتخذ وضع الاستعداد واذا به يهبط فجأة, ابتلع ما تحصل عليه بمنقاره, هرب من استطاع الغوص لعمق لم يسطتع رؤيتهم, نفض الماء المالح الذي استقر عليه, اكمل طيرانه بمستوى قريب من السطح, مازالت بطنه تطلب المزيد, وجدها تعلوه بقليل من الارتفاع:
"مازلت صغيراً على صنع مستعمرتك الخاصة"
رمقها بحدة, تقدمها بسرعة, تحداها ان يعثر على كمية مناسبة له ولها, وعدته ستجازيه إن اوف, طالبها بمراقبته, لحقته.. نبض قلبها فرحاً, دقق النظر في السطح, وجد سرباً آخر, تتبعه على مهل, لاحظ من هم اكبر حجماً, لم يخرج صوتا, بل رفرف .. ارتفع ... فجأة غطس, توقفت اجنحتها عن الطيران للحظة, بعد ادراكها لفعلته اسرعت حتى وصلت لنقطة بداية غوصه, تحيرت نبض قلبها سريعا, تدفقت الافكار الخائفة اليها سريعا, عاد مرة اخرى, هذه المرة بإحداهن, غردت فرحة:
"الآن هل تقبلني شريكة مستعمرتك ايها النورس؟؟"



الأحد، 6 نوفمبر 2011

قيود

من هيئته تعرف انه لم يكمل التاسعة, ذو نبضات سريعة, انفاس لاهثة ,في ركن غرفة, استطاع الضوء ان يتسلل اليها, جعل الرؤية تكد تكون واضحة لعينه الدامعة, حاول الوقوف.. الحبال اعاقت حركته, قاوم حتى اصبح في وضع القرفصاء, اشتدت اربطته العضلية, فعاد ممدد قدماه الممتلئة مرة اخرى, ناظرا ليداه الموثقة ,حاول مرارا فك ربطتها دون نتيجة, ألق برأسه على الجدار الخلفي, اغمض عينه تذكر صوتا صارخا فيه :
"قولتلك حل المسألة دي"
"مش فاهمها"
"شرحتها لك مليون مرة"
"عاوز مدرس انت مش مدرس"
أُمر بالوقوف, معطيا وجهه للحائط, رافعا يداه, استمر حاله اربع لفات كاملة لعقرب الدقائق, سرق لحظات ارخى فيها ركبتيه, عندما لوحظ جلب حزاما للترهيب, حتى صرخت غير متحملة ارهاق طفلها معلنة عن عدم رغبتها في اكمال هذه الزيجة, احتضنته بقوة,جُذب بعنف من يدها, قُيد بالاربطة ,أُلقيَّ به في غرفته ,انطفأ النور, أُغلق الباب عليه, لم تتوقف عن الندب على حظها.
دمعت عيونه تدريجيا, نحيبه ارتفع, رافضا سماع صوتهم, تأقلم مع حباله رفيقة ظلامه, اعتاد جراح خشونتها بمعصميه, حتى قدمه رغم ارتداءه للبنطال الا ان الحبال رٌبطت على جلده, ازداد نحيبه ارتفاعا..
اخرس يا ابن ال......... (شتائم بأمه) مش عاوز اسمع لك حس لحد ما يبان لك نهار.
توقف عن النحيب.. مع استمرار دموعة المنهمرة, انصت, لحديثهم المعهود, يشعر بالخذي لاب بخيل يجمع الاموال في حساب خاص, ام لم تبد اعتراض طيلة اعوام مضت, يسد آذانه بيديه, طاردته الذكرى منذ انثى عشر شهرا عندما طلب منها زوجها امضاء ورقة موافقتها على سفره للخارج, حجة تأكد انها ستبتلعها لأميتها, ماطلته لإرهاقها في عمل المنزل, تركها .. عاد استشاط غضبا مجرد ان رأى ورقته ممزقة, لم تنتظر ان يسألها, اكتفت بقولها :
عاوز تمضيني على حاجة مملكهاش!!!
ابتلع غيظه ,جلس مع طفله لاستذكار مواده الدراسية, كعادته معه, مجرد ان يتردد في اجابة احد الاسئلة, يجد ما يناله من عقاب, ظلت الدموع تجري على وجنتيه البريئتين ,غابت عيونه في ظلام, طاردته هذه الذكرى طيلة عشر سنوات, حتى استيقظ يوما على رنين الهاتف:
- ايوة انا
-  ايه فين
-  انا جاي
ارتدى ملابسه ..ذهب ليتعرف على ملامح قد يكون عرفها قبل هذه اللحظة, يتبين على جسمه ان سيارة ما دهسته, لم تترك معلماً واضحا سوى عيونه القاسية, التي رآها لاول مرة فزعة, لم يتخيل قط هذه اللحظة ,اغمض عيونه ثانية دون دموع, خرج بتصريح ,جعله يستريح من ألم طال سنوات, عاد لينصت نحيبها هذه المرة رغم عذابها منه

الأحد، 30 أكتوبر 2011

انغام

جلست كعادتها ممددة ساقاها, تركت الشمس تداعب اصابع قدمها قبل الرحيل, استندت بظهرها على الجدار, تركت نفسها مع انغام بالكاد تسمعها, حركت ساقاها على الانغام, اغمضت عيونها لتستمتع بالالحان, بعد اكتمال دورة قمرية كاملة بإسبوع, لاحظت تردد نغم واحد يناديها, فضولها اجبرها ان تعتدل, لتبحث عن المرسل, علها تجده ونيسا  لوحدتها, التقت عيونهم للحظات, اختبئت خلف الجدار كي لا يلحظها, ارتفع نغم جديد مع كلمات "ايوة باشتاق لك ساعات - ايوة بحتاج لك ساعات..." 
تجلس في زاوية بعيدة عن مجال رؤيته, يتوقف النغم, تدرك ان هذه الانغام لها دون غيرها, تسترق النظرات اليه تجده ينتظر خروجها اليه, تعود مكانها ثانية تلتفت حولها هل من اخر يرقبها, تغلق شيش الشرفة عليها, تأخذ نفسا عميقا ,تعلو صيحاته متمثلة في نبرات سميرة سعيد, تقرر ان تظهر له, تبدأ لغة جديدة لم تدرك انها ستتقنها من اول تجربة, يشير بيداه ان تنتظر, ترد الاشارة بإشارة استفهام عن السبب بدأ كل منهم الحديث بتحريك الشفاه والاشارة باليد معاً: 
هو : احبك 
هي :انا !!!! 
هو:ايوة انتي 
هي: انت مجنون!!!! 
هو: عاوز اخطبك 
تتركه بلا عودة... 
تبدأ يوما جديدا لتجده تتسمر امامه, لاول مرة تسمع صوته: 
"انا محمد, عارف انتي مين, معجب بيكي وكل ما باشوفك بحس ان الوقت بيقف عندك, ارجوكي فكري" 
يتركها ولا ينظر خلفه... 
لا تعلم كيف تعود لمرحلة تركتها بعشر سنوات على الاقل, كيف تسمح لنفسها ان تنتظر انغامه في نفس المعاد كالمراهقات, في يومها السادس بينما تحارب شكوكها هل كانت تحلم ام كان ردا لها على تجهاهلها بعد ان اعلن عن حبه. 
ظلت في حيرتها حتى غربت الشمس عن السماء مع بداية يومها الثامن وجدته مرة ثانية بادرت بقولها
"مكنتش اعرف اني اتعلقت بيك كده" 
مجرد ان قالتها انتفضت على جرس المنبة.

بحث هذه المدونة الإلكترونية